فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة نوح: الآيات 19- 20]:

{واللّهُ جعل لكُمُ الْأرْض بِساطا (19) لِتسْلُكُوا مِنْها سُبُلا فِجاجا (20)}.
وقوله سبحانه: {واللّهُ جعل لكُمُ الْأرْض بِساطا لِتسْلُكُوا مِنْها سُبُلا فِجاجا} [19، 20] وهذه استعارة. والمراد بالبساط هاهنا: المكان الواسع المستوي.
مشبّه بالبساط، وهو النمط الذي يمد على الاستواء فيجلس عليه.
وقال الأصمعى: وبنو تميم خاصة يقولون بساط، بفتح الباء. وقال الشاعر:
ودون يد الحجّاج من أن ينالنى ** بساط لأيدى الناعجات عريض

وتصيير الأرض بساطا، كتصييرها فراشا ومهادا.
وهذه الألفاظ الثلاثة ترجع إلى معنى واحد. اهـ.

.فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

قال محمد الغزالي:
سورة نوح:
من عجائب سيرة نوح أنه ظل تسعة قرون ونصف يدعو قومه، وهم لا يستجيبون! إن هذا الزمان الطويل يتسع لازدهار دول! وانهيارها، ونضارة مبادئ وذبولها، بيد أن قوم نوح ظلوا على ضلالهم لا يتوبون ولا يفكرون في توبة! إن الرجل الوثيق العزم الواسع الحلم عاد إلى ربه يشكو سوء اللقاء وعناد الكفر {قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا}. هل للكفر شبهة عقلية تجعل إنسانا ما يعبد حجرا، ويذر عبادة رب العالمين؟ لقد راقبت مسالك كفار، فوجدت العلل النفسية لا الفكرية هي التي تغرى بالجحود، وتصرف الناس عن ربهم العظيم! وكيف تفسر سلوك امرئ يرفض التدين ويبطن الولاء لبشر تافه؟ إن مئات الكتب ألفت في تمجيد (ستالين) ونسيان الله!! والأدلة على وجود الله ليست معادلات رياضية عسرة، إنها تنبيهات للعقل النائم كى يصحو ويرى {ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا}. إننا ما نزال نأكل نبات الأرض فيتحول في أجسامنا إلى عضلات ودماء، أنحن الذين نقوم بهذا التحويل؟ أم اللطيف الخبير؟ من الذي يدير الأفلاك؟ أهو الله أم ود أم سواع؟ من آلهة قوم نوح! إن غباء الكفر عجيب وليس أعجب منه إلا كبرياؤه وصلفه، ولذلك دعا نوح ربه بعد القرون الطوال التي أنفقها في البلاغ والتذكير {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا}. إن الكفر على مر الأيام يتحول إلى تقاليد معوجة، وإلى جيل من الناس {لم يزده ماله وولده إلا خسارا}، أو إلى أسر تقول للمصلحين {نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين} والأخطر من هذا البلاء أن يضن الكفار على المؤمنين بحق الحياة والاستقرار {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا}. إن طبيعة الضلال لا تلزم طورا واحدا. والمؤمنون في هذا العصر يعالجون الدواهى من الإلحاد والإحراج والفتنة!. اهـ.

.في رياض آيات السورة الكريمة:

.فصل في أسرار ترتيب السورة:

قال السيوطي:
سورة نوح:
أقول: أكثر ما ظهر في وجه اتصالها بما قبلها بعد طول الفكر أنه سبحانه لما قال في سأل: {إِنّا لقادرون على أن نبدل خيرا مِنهُم} عقبه بقصة قوم نوح، المشتملة على إبادتهم عن آخرهم، بحيث لم يبق منهم ديار وبدل خيرا منهم، فوقع الاستدلال لما ختم به تبارك هذا مع تآخي مطلع السورتين في ذكر العذاب الموعد به الكافرين. اهـ.

.تفسير الآيات (1- 4):

قوله تعالى: {إِنّا أرْسلْنا نُوحا إِلى قوْمِهِ أنْ أنْذِرْ قوْمك مِنْ قبْلِ أنْ يأْتِيهُمْ عذابٌ ألِيمٌ (1) قال يا قوْمِ إِنِّي لكُمْ نذِيرٌ مُبِينٌ (2) أنِ اعْبُدُوا اللّه واتّقُوهُ وأطِيعُونِ (3) يغْفِرْ لكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ويُؤخِّرْكُمْ إِلى أجلٍ مُسمّى إِنّ أجل اللّهِ إِذا جاء لا يُؤخّرُ لوْ كُنْتُمْ تعْلمُون (4)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
(بسم الله) الذي له الكمال كله من الجلال والإكرام (الرحمن) الذي عم بما أفاضه من ظاهر الإنعام (الرحيم) الذي خص أولياءه بلزوم الطاعة في الابتداء وإتمام النعمة في الختام.
ولما ختمت {سأل} بالإنذار للكفار، وكانوا عباد أوثان، بعذاب الدنيا والآخرة، أتبعها أعظم عذاب كان في الدنيا في تكذيب الرسل بقصة نوح عليه السلام، وكان قومه عباد أوثان، وكانوا يستهزئون به وكانوا أشد تمردا من قريش وأجلف وأقوى وأكثر، فلم ينفعهم شيء من ذلك عند نزول البلاء وبروك النقمة عليهم وإتيان العذاب إليهم، وابتدأها بالإنذار تخويفا من عواقب التكذيب به، فقال مؤكدا لأجل إنكاهرم أن يكون الرسول بشرا أو لتنزيلهم منزلة المنكرين من حيث أقروا برسالته وطعنوا في رسالة غيره مع المساواة في البشرية: {إنا} أي بما لنا من العظمة الباهرة البالغة {أرسلنا نوحا} وهو أول رسول أتى بعد اختلاف أولاد آدم عليه السلام في دين أبيهم الأقوم {إلى قومه} أي الذين كانوا في غاية القوة على القيام بما يحاولونه وهم بصدد أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه ويكرموه لما بينهم من القرب بالنسب واللسان، وكانوا جميع أهل الأرض من الآدميين.
ولما بان مضى المرسِل والرسول والمرسل إليهم، وكان الإرسال متضمنا معنى القول، أخذ في تفسيره بيانا للمرسل به فقال: {أن أنذر} أي حذر تحذيرا بليغا عظيما {قومك} من الاستمرار على الكفر.
ولما كان المقصود (إعلامهم بذلك) في بعض الأوقات لأن الإنسان لابد له من أوقات شغل بنفسه من نوم وأكل وغيره، أتى بالجار تخفيفا عليه ورفقا به عليه السلام فقال: {من قبل أن يأتيهم} أي على ما هم عليه من الأعمال الخبيثة {عذاب أليم}.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على قومه في قوله: {فاصبر صبرا جميلا} [المعارج: 5] وجليل الإغضاء في قوله: {فذرهم يخوضوا ويلعبوا} [المعارج: 42] أتبع ذلك بقصة نوح عليه السلام وتكرر دعائه قومه إلى الإيمان، وخص من خبره حاله في طول مدة التذكار والدعاء لأنه المقصود في الموضع تسلية لنبيه صلى الله عليه وسلم، وليتأسى به في الصبر والرفق والدعاء كما قيل له صلى الله عليه وسلم في غير هذا الموضع {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم} [الأحقاف: 35] {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات} [فاطر: 8] فقد دام دعاء نوح عليه السلام مع قومه أدوم من مدتك، ومع ذلك فلم يزدهم إلا فرارا {قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا} [نوح: 5- 7] ثم مضت آي السورة على هذا المنهج من تجديد الإخبار بطول مكابدته عليه السلام وتكرير دعائه، فلم يزدهم ذلك إلا بعدا وتصميما على كفرهم حتى أخذهم الله، وأجاب فيهم دعاء نبيه نوح عليه السلام.
{رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا} [نوح: 26] وذلك ليأسه من فلاحهم، وانجر في هذا حض نبينا صلى الله عليه وسلم على الصبر على قومه والتحمل منهم كما صرح به في قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف: 199] وكما قيل له قبل {فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت} [القلم: 48] {وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك} [هود: 120] انتهى.
ولما أخبر عن رسالته ومضمونها بما أعلم من أن الفساد كان غالبا عليهم، استأنف قوله بيانا لامتثاله: {قال} أي نوح عليه السلام: {يا قوم} فاستعطفهم بتذكيرهم أنه أحدهم يهمه ما يهمهم.
ولما كان من طبع البشر إنكار ما لم يعلم إلا من عصم الله فجعله منقادا للإيمان بالغيب، أكد قوله: {إني لكم نذير} أي مبالغ في النذارة {مبين} أي أمري بين في نفسه بحيث أنه صار من شدة وضوحه كأنه مظهر لما يتضمنه، مناد بذلك للقريب والبعيد والفطن والغبي.
ولما كان ترك ما أنذرهم بسببه من الكفر لا يغنيهم إلا أن آمنوا، وكان الإيمان مخلصا عن عواقب الإنذار لأنه لا يصح إلا مع ترك جميع أنواع الكفر، فسر الإنذار بقوله: {أن اعبدوا الله} أي الملك الأعظم الذي له جميع الكمال، وذلك بأن تخلصوا التوجه إليه فإن غناه يمنع من أن يقبل عبادة فيه شرك وهذا هو الإيمان {واتقوه} أي اجعلوا بينكم وبين غضبه وقاية تمنعكم من عذابه بالانتهاء عن كل ما يكرهه، فلا تتحركوا حركة ولا تسكنوا سكنة إلا في طاعته، وهذا هو العمل الواقي من كل سوء.
ولما كان لا سبيل إلى معرفة ما يرضي الملك ليلزم وما يسخطه ليترك إلا منه، ولا وصول إلى ذلك إلا من خاصته، ولا خاصة مثل رسوله الذي ائتمنه على سره قال: {وأطيعون} أي لأعرفكم ما تقصر عنه عقولكم من صفات معبودكم ودينكم ودنياكم ومعادكم، وأدلكم على اجتلاب آداب تهديكم، واجتناب شبهة ترديكم، ففي طاعتي، فلا حكم يرضي الملك عنكم، وهذا هو الإسلام، فقد جمع هذا الدعاء الإيمان والإسلام والعمل، وهي الأثافي التي تدور عليها أسباب الفلاح.
ولما كان الإنسان محل النقصان، فلا ينفك عن ذنب فلا ينفعه إلا فناء الكرم، أشار إلى ذلك مرغبا مستعطفا لهم لئلا ييأسوا فيهلكوا بقوله جوابا للأمر: {يغفر لكم} أي كرما منه وإحسانا ولطفا.
ولما كان من الذنوب ما لا يتحتم غفرانه وهو ما بعد الإسلام قال: {من ذنوبكم} أي ما تقدم الإيمان من الشرك والعصيان وما تأخر عن الإيمان من الصغائر التي تفضل الله بالوعد بتكفيرها باجتناب الكبائر- هذا مما أوجبه سبحانه على نفسه المقدس بالوعد الذي لا يبدل، وأما غيره مما عدا الشرك فإلى مشيئته سبحانه.
ولما كان الإنسان، لما يغلب عليه من النسيان، والاشتغال بالآمال، يعرض عن الموت إعراض الشاك فيه بل المكذب به ذكرهم ترهيبا لهم لطفا بهم ليستحضروا أنهم في القبضة فينزعوا مما يغضبه سبحانه، فقال مشيرا إلى أن طول العمر في المعصية- وإن كان مع رغد العيش- عدم، مهددا بأنه قادر على الإهلاك في كل حين: {ويؤخركم} أي تأخيرا ينفعكم، واعلم أن الأمور كلها قد قدرت وفرغ من ضبطها لإحاطة العلم والقدرة فلا يزاد فيها ولا ينقص، ليعلم أن الإرسال إنما هو مظهر لما في الكيان ولا يظن أنه قالب للأعيان بتغيير ما سبق به القضاء من الطاعة أو العصيان فقال: {إلى أجل مسمى} أي قد سماه الله وعلمه قبل إيجادكم فلا يزاد فيه ولا ينقص منه، فيكون موتكم على العادة متفرقا وإلا أخذكم جميعا بعذاب الاستئصال، فهذا من علم ما لا يكون لو كان كيف يكون، وذلك أنه علم أنهم إن أطاعوا نوحا عليه السلام كان موتهم على العادة وإلا هلكوا هلاك نفسه واحدة، وعلم أنهم لا يطيعونه، وأن موتهم إنما يكون بعذاب الاستئصال.
ولما كان الإنسان مجبولا على الأطماع الفارغة، فكان ربما قال للتعنت أو غيره: لم لا يخلدنا؟ قال فطما عن ذلك مؤكدا لاقتضاء المقام له: {إن أجل الله} أي الذي له الكمال كله فلا راد لأمره {إذا جاء لا يؤخر} وأما قبل مجيئه فربما يقع الدعاء والطاعات والبر في البركة فيه يمنع الشواغل وإطابة الحياة، فبادروا مجيء الأجل بالإيمان لأنه إذا جاء لم يمكنكم التدارك، ولا ينفعكم بعد العيان الإيمان.
ولما كان من يعلم هذا يقينا، ويعلم أنه إذا كشف له عند الغرغرة أحب أن يؤخر ليتوب حين لا تأخير، أحسن العمل خوفا من فوات وقته وتحتم مقته، نبه على ذلك بقوله: {لو كنتم تعلمون} أي لو كان العلم أو تجدده وقتا ما في غرائزكم لعلمتم تنبيه رسولكم صلى الله عليه وسلم أن الله يفعل ما يشاء، وأن الأجل آت لا محالة فعملتم للنجاة، ولكنكم تعملون في الانهماك في الشهوات عمل الشاك في الموت. اهـ.